جحا ! شخصية قد أخذت مساحة لا بأس بها من حبر الكُتاب و أوراقهم !
و تكاد لا تجد شخصاً لا يعرف جحا ! أو لا يذكر عنه نكتة أو طرفة تظهر هذا الرجل بأنه مجنون مخبول ...!
فهل جحا هذا !! حقيقة أم خيال ؟
قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء :
جحا * أبو الغصن، صاحب النوادر، دجين بن ثابت، اليربوعي، البصري.
وقيل: هذا آخر.
رأى دجين أنسا، وروى عن أسلم، وهشام بن عروة شيئا يسيرا.
وعنه: ابن المبارك، ومسلم بن إبراهيم، وأبو جابر محمد بن عبد
الملك، والاصعمي، وبشر بن محمد السكري، وأبو عمر الحوضي.
قال النسائي: ليس بثقة.
وقال ابن عدي: ما يرويه ليس بمحفوظ.
وروي عن ابن معين قال: دجين بن ثابت هو جحا .
وخطأ ابن عدي من حكى هذا عن يحيى، وقال: لانه أعلم بالرجال من أن يقول هذا، والدجين إذا روى عنه ابن المبارك، ووكيع، وعبد الصمد، فهؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا.
وأما أحمد الشيرازي، فذكر في " الالقاب " أنه جحا، ثم روى عن مكي بن إبراهيم قال: رأيت جحا الذي الذي يقال فيه: مكذوب عليه، وكان فتى ظريفا، وكان له جيران مخنثون يماز حونه، ويزيدون عليه.
قال عباد بن صهيب: حدثنا أبو الغصن جحا وما رأيت أعقل منه قال كاتبه: لعله كان يمزح أيام الشبيبة، فلما شاخ، أقبل على شأنه، وأخذ عنه المحدثون.
وقد قيل: إن جحا المتماجن أصغر من دجين، لان عثمان بن أبي شيبة لحق جحا، فالله أعلم.
وكذلك وهم من قال: إن أبا الغصن ثابت بن قيس المدني هو جحا ) ا.هـ
و قال الزركلي في الأعلام :
[ جحا (000 - نحو 130 هـ = 000 - نحو 747 م)
جحا الكوفي الفزاري، أبو الغصن: صاحب النوادر ، يضرب به المثل في الحمق والغفلة.
كانت أمه خادمة لام (أنس بن مالك) ويقال: كان في الكوفة إبان ثورة أبي مسلم الخراساني، وأدخله عليه مولاه يقطين فقال: يايقطين أيكما أبو مسلم ؟
وعلى هامش مخطوطتي من (المستقصى) للزمخشري: وفيه يقول عمر بن أبي ربيعة:
(دلهت عقلي، وتلعبت بي حتى كأني من جنوني جحا) فان صحت نسبة البيت إلى ابن أبي ربيعة دلت على اشتهار جحا قبل أيام أبي مسلم بأكثر من أربعين سنة.
وسماه الجوهري في الصحاح (جحا) فتعقبه صاحب القاموس بأن (جحا) لقبه وان اسمه (دجين بن ثابت) وأورد ابن حجر في (لسان الميزان) ترجمة لمحدث من أهل البصرة اسمه (دجين بن ثابت) اليربوعي وكنيته (أبو الغصن) ونفى رواية من قال إنه هو جحا.
وقال شارل بلا: إن الجاحظ كان أول مؤلف عربي ذكر جحا في مؤلفاته، ذكره في رسالة عن علي والحكمين، وذكره في كتاب البغال.
وفي فهرست (ابن النديم) من الكتب المصنفة في أخبار المغفلين (نوادر حجا) وهذا حتما غير كتاب (نوادر جحا) المطبوع بمصر وبيروت المترجم عن التركية، المنسوبة أخباره إلى جحا الرومي المعروف بخوجه نصر الدين، وقد دخلت فيه حكايات من نوادر جحا (العربي) في جملة ما ترجم إلى التركية من كتب العرب.
قال الزمخشري: والحكايات عنه لا تضبط كثرة.
وفي ديوان أبي العتاهية (المتوفى سنة 211) قوله:
دلهني حبها وصيرني مثل جحا شهرة ومشخلة
[b]وفي مخطوطة حديثة سميت (قطعة من تراجم أعيان الدنيا الحسان) في المكتبة الشرقية اليسوعية ببيروت: كان أبو الغصن جحا البغدادي صاحب مداعبة ومزاح ونوادر توفي في خلافة المهدي العباسي ] ا.هـ
وقال أيضاً نقلاً عن أحد الكتاب :
[ .... ثم تحدث عن جحا الكوفي الفزاري أبي الغصن وقال: (ورأيت في بعض التعاليق أنه كان فاضلا ماجنا وقد عمل الناس على لسانه كثيرا من النوادر كما عملوا على لسان المجنون.
ولابن أبي اليمن الغفاري مؤلف في ذلك يشتمل على ألف ورقة).
وانظر كتاب (جحا في ليبيا) لعلي مصطفى المصراتي.
والتراتيب الادارية 2: 261 ومحاضرة شارل بلا في جريدة الحياة البيروتية
21 / 3 / 65 قلت: ونشأ عن أختلاط حكايات جحا العربي بجحا الرومي أن ذهب بعض الكتاب إلى أن (جحا) أسطورة خيالية، اقرأ مقال محمد فريد أبي حديد في مجلة (العربي) العدد 41 ص 66 ونقلت جريدة الحياة (بيروت 9 / 1 / 1971) عن إحدى الصحف الاجنبية أن بعض الشعوب عرفت جحا (أو نصر الدين خجا) بأسماء متشابهة فهو في آسيا الوسطى (هو دجا) وفي مالطة (جيهان) وفي بلاد السكسون (جوكا) ] ا.هـ
و الحاصل !
أن جحا هذا شخصية حقيقة ، ليست مجرد أسطورة من صنع خيال الكتاب !
و إن زيد عليه ، و قيل عنه من الحكايا و الظرائف الكثيرة المشهورة ..
حتى أن جحا هذا أصبح شخصية عالمية ..
فهناك جحا العربي ، و جحا التركي و ( هو دجا ) في آسيا الوسطى ، و ( جيهان ) في مالطه ، و ( جوكا ) في بلاد السكسون !!!
و الذي يهمنا من كل هؤلاء ، جحا العربي ... فهو إذن ليس أسطورة ! و ليس خيالاً ، فهو رجل حقيقي
عاش في ( 130 هـ ) !! و روي عنه و إن كان من العلماء من ضعفوه .
و الذي أريد أن أشير إليه ..! التنبيه على الخطأ الذي وقع فيه الكثيرين الكثيرين من الناس الذين راحوا ينسجوا على الرجل ماهو منه بريء ! و اختلقوا عليه القصص المضحكة التي تثسر السخرية من الرجل ..! فإن مثل هذا لا ينبغي ... فإن غالب القصص التي تقال عنه هي محض كذب ، وهي مخلوقة مصنوعة على الرجل .
و تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : e]كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ] .
نعم ! النبي صلى الله عليه وسلم مزح ولكنه ما قال إلا حقاً فعن أبـي هريـرة رضي الله عنه قال قالوا : يا رسـول اللـه ! إنك تداعبنا . قال : نعم غير أني لا أقول إلا حقاً ) رواه الترمذي وقال : حسن صحيح . وصححه الشيخ الألباني في مختصر الشمائل المحمدية ص 126 ، وفي السلسلة الصحيحة 4/304 .
و أمثلة مزاح النبي صلى الله عليه وسلم في السيرة كثيرة !
و لكن ! مع ذلك [ جواز المزاح ] قال ربنا جل وعلا : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ) سورة الحجرات الآية 11
و في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم : بـحـسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم )
و تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ! ويل له ) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وحسّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/268 .
و دمتم بحفظ الله ...