كيف تكونين ناجحةً ومحبوبةً .. في الدعوة إلى الله
******************************************
الحمد لله الذي شرف هذه الأمة , فجعلها خير أمة أخرجت للناس , وأشهد أن لا إله إلا الله كتب الخيرية الفلاح لدعاة الخير والإصلاح , وأشهد أن محمداً عبه ورسوله حامل لواء الدعوة والكفاح , صلى الله وسلم وبارك عليه , وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على نهجه وترسموا خطاه , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم ملتقاه .
إن من محاسن شريعة الإسلام التي أكمل الله بها الدين وأتم بها النعمة أنها أذنت لكل مسلمة أن تكون داعية إلى الله تعالى , وأن تدعو إلى هذا الدين الباقي إلى قيام الساعة . قال الله تعالى :
" وَمَن أحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إنَّنِي مِنَ المسْلِمِينَ ". وقال تعالى :
" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت للنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنْهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ ".
فهذه الآية مدح للأمة المحمدية , أنهم خير أمة خلقت ووجدت ما داموا يأمرون بالمعرف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله . وعل العكس من ذلك فهم لو تركوا هذه الصفات زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم , وكان ذلك سبباً لهلاكهم كما حدث لبني إسرائيل الذين وصفهم الله عز وجل بأنهم : " كَانُوا لاَ يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لِبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " . ولهذا حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بلهجة شديدة فقال : " والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر وليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم " .
ففي الإسلام كل مسلمة داعية , ويمكنها أن تدعو إلى الدين وأن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر في أي مكان وفي أي زمان , لأنها أمرت من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بذلك الشرط أن تلتزم بالشروط التي حددها الإسلام , وتطبق القواعد والآداب التي رسمها لهذه المهمة , وأن تعمل بالأسباب التي تؤدي إلى نجاحها .
وأول ما يجب على المسلمة الداعية أن تكون نيتها خالصة لوجه الله تعالى لا أن تكون دعوتها رياءً وسمعةً أو من أجل أن تنال بدعوتها شيئاً من الدنيا .فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ... " . فمن كانت نيتها لله فلها الأجر والثواب , ومن كانت نيتها غير ذلك فالله تبارك وتعالى يكلها إليه .
وأهم الصفات المطلوبة في المسلمة الداعية حتى تكون محبوبة وناجحة :
1- العلم .. أن تكون عالمة بما تدعو إليه , وبالمعروف الذي تأمر به , والمنكر الذي تنهى عنه , وذلك يختلف باختلاف الشيء .. فإن كان من الواجبات الظاهرة , والمحرمات المشهورة فكل المسلمين علماء بها , وإن كان من دقائق الأفعال والأعمال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء .
2- الرفق .. أن تكون رفيقة حكيمة بما تدعو إليه , وبما تأمر به , وفيما تنهى عنه لتكون أقرب إلى تحصيل المطلوب , قال تعالى : " ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " أن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه " . فلا بد من أن تدعو برفق ولين وحكمة , وبشفقة ولطف , من غير عنف وغضب , وأن لا تقصد بذلك الإذلال وتمييز نفسها بالعلم , وإذلال صاحبتها بالجهل .
3- الصبر .. أن تكون صبورة على الأذى , كما حكى الله سبحانه عن وصية لقمان الحكيم لابنه : " يَا بُنَىَّ أقِمِ الصَلاةِ وَأمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المنُكَرِ وَاصْبِرْ عَلى مَاّ أصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُرِ " . وأوصى بعض السلف بنيه فقال : إذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر وليثق بالثواب من الله . فمن وثق بالثواب من الله لم يجد مس الأذى .
فالعلم قبل الأمر والنهي , والرفق يكون في حالة الأمر والنهي , والصبر يكون بعد الأمر والنهي .
عدم الكمال ليس مانعاً من الدعوة :
ومن الأمور المهمة التي على الداعية أن تضعها في اعتبارها أن عدم كمالها في العمل بالطاعات لا يمنع من واجبها في القيام بالدعوة إلى الخير والمعروف , أو قيامها في إنكار المنكرات وتغيرها . فقد قال العلماء : ( لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً عنه , بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما يأمر به والنهي وإن كان متلبساً بما ينهي عنه , فإنه يجب عليه شيئان : أن يأمر نفسه وينهاها , ويأمر غيره وينهاه , فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر ) .
وعدم الاستجابة ليس مانعاً من الدعوة :
لا تسقط الدعوة إلى الله عن مسلمة إذا ظنت أنها لا تفيد , بل عليها أن تدعو إلى الخير , وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بقدر استطاعتها , وبذلك تبرأ ذمتها , أما القبول والاستجابة والهداية فليست إليها , فقد قال تعالى : " ما عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاَغُ " . أي عليها البلاغ وليس لها الهداية والتوفيق ولا الثواب , فالله عز وجل يهدي من يشاء ويضل من يشاء , وله الحكمة والحجة الدامغة وهو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة .
اللهم أصلحنا وأصلح بنا , واهدنا وأهدي بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى .