نحن في زمن كثرت فيه المغريات والملهيات فأضلت الكثير ببهرجها وزخرفها وتنوع عرضها وضعفت الهمم وحل الوهن والفتور فكان لزاما التجديد والتنويع في الأساليب الدعوية والترفيهية والتعليمية والمسابقات وسيلة مباحة في أصلها ما لم يقترن بها محرم الغاية منها الوصول لتلك الأهداف.
وعندما تنظر إلى الواقع تجد أ ن المسابقات بأشكالها المختلفة لها وقع عند الناس وتأخذ حيزاً من وقتهم؛ وتسترعي قدراً من اهتمامهم؛ فالإنسان بطبعه يحب السؤال والجواب؛ ويحب الجديد والتجديد؛ ويفضل الحوار على السماع من طرف واحد.
ولكن وللأسف تجد بعضها لم تبنى على أسس صحيحة يكون من خلالها استقاء المعلومة بل أصبحت في أحايين كثيرة ماديّة ربحية وتصدّرَ الشكلُ على حساب المضمون بشكل كبير وملفت فكم صرفت من ملايين من أجل الديكورات والاستضافات والجوائز لكن المادة العلمية لم يكن لها قصب السبق ولم يخرج المتسابقون منها بالقدر الكافي والمفروض.
أرقني هذا الموضوع مما جعلني أفكر كيف تكون مسابقاتنا هادفة بناءة؟ وكيف يحيى العلم عن طريقها؟ وقد قال الشاعر:
العلم يحيى بالمذاكرة *** والفكرة والدرس والمحاضرة
كيف لا والسؤال طريق من طرق التعليم والإثارة وشد الانتباه وترسيخ العلم والحوار كما هو مقرر في كتاب الله وسنة المربي الأول _عليه الصلاة والسلام_ واحتذى حذوه العلماء والمربون بعده وكتبهم وسيرهم شاهدة بذلك والمقام هنا يضيق بذكرها.
والسؤال كيف نبدع في مسابقاتنا؟
والجواب عليه: كل عمل يكون فيه تخطيط وأهداف ومتابعة فهو أقرب للمراد فعندما نضع مسابقة فلنسأل أنفسنا قبل الإعداد ما الهدف الأساس منها؟ ما هي القيم والرسالة والقضايا التي أريد من خلال هذه المسابقات غرسها وإيصالها للمتربين والمتسابقين؟ كيف تكون الطرق والأساليب في الطرح والإخراج؟ وما الشريحة المعنية؟ ولماذا نقيمها؟ وكيف تنجح؟ ومن خلال ذلك توصلت لعدة نقاط حتى تكون مسابقاتنا إبداعية وقوية ومفيدة وجذابة وشيقة وتعليمية وهادفة ومسلية وناجحة ومحققة لأهدافنا ورسالتنا.
((ويختلف تطبيقها باختلاف الأشخاص والأحوال والأماكن والمسابقات ومن أهمها -من غير ترتيب- )):
1- لا بد أن يكون (الهدف واحداً) كأن يكون الطرح في علوم الشريعة مثلاً، أو بشكل أخص عن الصلاة مثلاً، أو في فن واحد من الفنون.
2- لابد من (مرجعية) وخاصة عند التحاكم واختلاف وجهات النظر كمسائل الاجتهاد وما الراجح فيها فيكون الرجوع إلى قول أحد العلماء المعتبرين ممن يرضى الأغلب بقوله.
3- البعد عن (غرائب المسائل والأقوال) ففي الغالب تكون محل خلاف عريض، وفيها أخذ للوقت على حساب الأهم.
4- يفضل (تحديد كتاب) يكون محل النقاش والمسابقة، وهذا الذي يغفل عنه الكثير، فتجد المتسابق أتى من غير خلفية بما سيدار في المسابقة فيكثر النقاش والجدل والاختلاف فتقل المعلومة ويذهب الوقت بلا فائدة.
5- (التجديد) في الطرح فلا يكن الأمر مقصورا على صيغة سؤال وجواب بل الإبداع والتجديد - من غير مبالغة - كاستخدام وسائل التقنية الحديثة من حاسب و جهاز عرض وفيديو وتطبيق الأشياء أمامهم ونحو ذلك، وعدم الاقتصار على حاسة واحدة كالسمع أو البصر وكلما شاركت أكثر الحواس كان بقاء المعلومة أبقى وأقوى.
6- لابد أن يكون الطرح (مناسباً) للمتسابقين لا أقل ولا أكبر.
7- عدم كثرة الخوض في الفروع وترك الأصول فهذا يضعف المسابقة ويمل المتسابقين.
8- (الإعداد) المسبق وتهيئة الجوّ وعدم وجود الصوارف والملهيات.
9- وجود (المحفزات المرغبات ) أمر لابد منه، بل من طرق النجاح وكلما صغر سن المتسابق كانت الحاجة لهما أكثر.
10- حاول أن تكون المسابقة (ترسيخا وإضافة علم) لا اختبار من أجل معرفة القياس في كمية المعلومات لديه، والإقلال من طريقة (أسرع إجابة) فهي لا تضيف علماً.
11- يفضل أن (يقرر الموضوع) قبل المسابقة بوقت كافٍ وتحدد الكتب والمراجع.
12- البعد عن إضاعة الوقت في المسابقة فكم مسابقة كانت مدتها ساعة ونصف ولو حسبت الوقت الفعلي لطرح الأسئلة والإجابات لوجدته نصف ساعة أو أقل!
13- هناك مسابقات لا تعتمد على معلومات سابقة ولكنها تعتمد على التفكير وإعمال الذهن وتحريكه، وكم نحن بحاجة لمثل ذلك.
14- بعض المسابقات يكون فيها السؤال أو الإجابة (ضربة حظ) مثل: اختر رقما، أو أمامك ثلاث خيارات اختر أحدها، وهذه لا تعطي المتسابق حرية أكثر في اختبار ما لديه من معلومات.
15- عندما تضع (خطة ونظام) يسير عليها المتسابقون من أول المسابقة لآخرها يقل النزاع والخلاف ويكون العدل، وكن فاهما ومستوعبا لها مدركا لعقباتها، وما سيشكل على المتسابقين، وعندما يشعر المتسابق بذلك سينعكس عليه أيضا، وكن صارما في اتخاذ القرارات.
16- لا تجعل المسابقة عبارة عن تعجيز وتحدي للمتسابق بل كن في صفه وكأنك تريد الفوز له، وابتعد عن الغموض والأسرار بل كن واضحا متفاعلاً.
17- يمكنك أن (تعمق خلقاً أو أدباً) من خلال المسابقات كان تضع مثلاً: مسابقة عن (الهديّة): هل وردت في القرآن؟ وما القصة؟ وطلب بعض الأحاديث والشعر؛ وما فوائد الهدية وأثرها على الطرفين؟ ومواقف وتجارب مع الحضور؟ ومتى تهدي ولماذا؟ واكتشف الفوارق في الصورتين يكون فيها صورة هدية، والأجمل أن كل من يجيب تعطيه هدية وتقول له يمكنك أن تعطيها من تحب من الحضور وبذلك تكون عمقت الهدية في نفوسهم. وغيرها كثير...
18- سرعة التنقل في الفقرات مع ضبط المتسابقين يبعد الملل والسآمة.
19- إيجاد أسئلة للجمهور غير المتسابقين ضرورة بل احرص على أن يشارك أكبر قدر ممكن من الحضور، فإن لم يكن فوجودهم من غير مشاركة سيسبب لك الفوضى والإزعاج فاحسب حسابك وابحث عن علاج من قبل أن يقع الفأس على الرأس، وكم فشلت من مسابقات مبدعة والسبب الجمهور.
20- اختيار مساعدين لك أكفاء مدركين لما تريد أمر لابد منه للمساعدة في إعداد وتقديم المسابقة ويكونون متميزين بعدة صفات منها سرعة البديهة، وفهم الإشارة، والمبادرة، وسرعة التنفيذ وغيرها بحسب المسابقة والمتسابقين.
21- (توزيع المهام) على المساعدين لك يريحك كثيرا من عناء المتابعة والتدقيق ويكون همك المتسابق فقط ولو كنت وحدك في الإعداد والتقديم لصعب عليك المتابعة ووضع النقاط والتنقل بين الفقرات...
22- طريقة الوقوف والإلقاء والصوت والتفاعل والحماس وتهيئة المسابقة وأدواتها ومكانها؛ من أسباب نجاح المسابقة.
23- البعد عن المحاذير الشرعية وعدم التهاون بها، وليس أي شيء فيه اختلاف دال على التوسع والجواز.
وليس كل خلاف جاء معتبراً *** إلا خلاف له حظ من النظر
24- إذا كان السؤال يحتمل أكثر من إجابة صحيحة فاقبلهن كلهن أو من الأصل لا تضع السؤال.
25- هناك من المسابقات ما تسبب الضغينة والبغضاء والتنافس الغير محمود مثل جاوب واخرج شخصا أو أخذ نقاط من الفريق الآخر وليت التنافس يكون من غير ضرر بالآخرين أو أخذ ما لديهم من نقاط.
26- الابتعاد عن بث الرسائل السلبية للمتسابق، وخاصة إذا كانت إجابته خاطئة.