زائر زائر
| موضوع: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا 4/16/2008, 9:27 am | |
| مقال قيم يتناول سنة من سنن الله في الدعــوات .. عميق ودسم ,, ويحتاج الى صبر وتركيز في قرائته .. لنستبين معاً معلماً من معالم الطريق والدنيا كلها رمتنا عن قوس واحدة ..
بســم الله الـرحمــن الرحيــم
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
سنة التمييزسنة تعمل في الصف الإسلامي لتحقيق التفريق بين المؤمنين والمنافقين في عملية تشبه الفرز الداخلي الذي يحول دون استمرار حالة الاختلاط التي تهدد الجبهة الداخلية للجماعة المسلمة ...
قال تعالى: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب} [آل عمران:179] لكن يظهر من خلال النظر إلى حقيقة المهمة المناطة بهذه الجماعة ومقتضيات الموقع الذي يُراد منها أن تصل إليه، أنها تحتاج إلى ما هو أكبر من التمييز، فمجرد الانتماء المبدئي إلى دائرة الإيمان لا يكفي لتجسيد حقيقة العبادة، ولا للنهوض بمتطلبات ذلك الموقع الذي أخرجت الأمة من أجله، ولذلك جرت سنة الله فيها بالتمحيص، قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:141].
والتمحيص يعني في مدلوله العام التطهير من الأوشاب العالقة بالشخصية المؤمنة فيما يشبه عملية الصقل التي تستهدف الارتقاء بالبناء الفكري والنفسي للمؤمنين، ليصل إلى مستوى التناسب بين حقيقة الإيمان ومبدأ الانتماء إليه.
قال في مختار الصحاح:" محّص الذهب بالنار أخلصه مما يشوبه" [ص: 291]، فهي إذن عملية تخليص من الدخل تتم تحت حرارة الابتلاء تؤهّل المؤمنين للمواقع المتقدمة في إقامة الدين وتحقيق معنى التعبد، قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:141]، قال النسفي: (التمحيص التطهير والتصفية) [التفسير:1/181].
لكن تجدر الإشارة إلى أن حرارة الابتلاء وحدها لا تكفي لحصول التمحيص، لأنها لا تمثل إلا الأجواء المناسبة، فمجرد الابتلاء قد يكون سببا للتراجع والتساقط كما يكون سببا للتقدم والثبات، ولذلك لابد لوقوع التمحيص من استصحاب مجاهدة النفس عند حصول الابتلاء ...
أو بعبارة أخرى إن تحقق التمحيص هو محصلة أمرين اثنين: أولهما وقوع الابتلاء، وثانيهما إلزام النفس بمواقف الحق، فالمؤمن الممحص هو المؤمن الذي خضع للامتحان ثم جاهد نفسه لينجح فيه، فيتحقق له من التمحيص على حسب شدة الابتلاء ومستوى المجاهدة.
إن العبادة ذات معنى كبير في دلالاتها، وذات مغزى عميق في أبعادها، وإعلان الانتماء المبدئي إلى الإيمان معناه التعاقد مع الله على تحقيق مفهوم التعبد، وهو أمر لا يتحقق على الوجه المطلوب إلا بخلوص العبد للرب، وذلك بأن يخرج المؤمن من الاستجابة لداعي الهوى إلى الاستجابة لداعي الشرع، في كل حركة الحياة ومجالاتها.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]، وهذا ما يقتضي أن يسلّط الضوء على المؤمنين لتنكشف الأوشاب المتسترة في أعماق الخلفية الفكرية، والمختبئة في دروب النفس الملتوية، لتُصهر تحت ضغط الابتلاء الذي تولّده أجواء الحركة في خط العبادة ..
قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [لأنفال:74]، وهو ما يعني – حسب مفهوم المخالفة – أن الذين آمنوا ولكنهم ما هاجروا، ولا جاهدوا، ولا آووا، ولا نصروا، لا يمكن أن يكونوا من المؤمنين حقا !!
ثم إن المهمة المناطة بالجماعة المسلمة، والتي تتجسد في قيادة البشرية وفق خط القيم الإسلامية وباتجاه المبادئ الشرعية، مهمة تقتضي من وضوح التصور وصفائه ما يمكّن من التقييم الصحيح للأشياء والأحداث، وتتطلب من سلامة البنية النفسية وصلابتها ما يسامي طبيعة هذا الموقع المتقدم في إقامة الدين.
وإذا كان مجرد القيادة ليس بالعمل الهيّن الذي يستحقه كل قوم من الناس، فما بالك بالقيادة من موقع الالتزام بالقيم الإسلامية والمبادئ الشرعية، ولذلك لم يكن بُدّ من تمحيص المؤمنين، لا لمجرد الاختبار الذي يكشف معدن العناصر ويساعد على تحديد مواقعها المناسبة فحسب، ولكن ليرتفع – كذلك – رصيد المؤمنين من المؤهلات الفكرية والنفسية التي تتطلبها خصوصيات الموقع.
ولعل هذا ما يجعلنا نشير إلى أن عملية الصقل تطال جانبين أساسين من الشخصية المؤمنة :
1 – الجــانب الفكـــري: فالأحداث التي تصاحب السير في خط العبادة – وخاصة عبادة الجهاد – تكشف للمؤمن عن جوانب غير قليلة في بنيته الفكرية تحتاج إلى "إصلاح"، والذي يكشف هذه الحاجة هو الجدلية التي تحكم علاقة الفكر بالحركة .. بحيث أن كل حركة إرادية لابد أن تنشأ من خلال الفكرة، ثم تأتي الحركة لتولد بدورها فكرة جديدة تتبلور من خلال التفاعل الميداني مع الأحداث التي أفرزتها الحركة.. وهكذا إلى أن تحصل عملية الصقل الجيد للجانب الفكري ...
على أنها لا تكون سائرة في الإتجاه الصحيح إلاّ إذا توفر فيها أمران اثنان، أولهما: أن تكون تلك الأحداث وليدة الحركة في خط العبادة، وثانيهما: أن يكون الوحي حاضراً – حضوراً كاملاً – عند عملية قراءة الحدث لاستخلاص الفكرة.
2 – الجــانب النفســـي: لأن الانتماء المبدئي إلى الإيمان لا يعني بالضرورة وجود كل الصفات النفسية التي تتناسب مع حقيقته، فقد يكون المرء مؤمنا وفيه – مثلا – نصيب من الخوف من الأعداء، وهي حالة – يظهر من خلال التأمل في دلالاتها – أنها لا تتناسب مع حقيقة الإيمان قال تعالى: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:13]، مما يقتضي ضرورة التخلص منها لنكون مؤمنين، بل ومن كل صفة غير متوافقة مع هذا المفهوم، لأنها تحول دون الارتقاء في مقاماته، بل قد يشكّل تراكمها تهديداً حقيقياً للاستمرار عليه.
خذ غزوة الأحزاب مثلا، وتأمل كيف شكلت أحداثها الظرف المناسب لتحقق التمحيص، قال تعالى – يصف الحالة التي أوجدتها أجواء المعركة – :
{وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِر} [الأحزاب:10]
فهو الابتلاء بالشدة التي كأنها الزلزال الذي يهز العمق الداخلي للمؤمنين، قال تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:11]، وإذا كان هذا الابتلاء قد كشف لنا العناصر المنافقة في الصف الإسلامي، فإنه قد محص لنا – كذلك – المؤمنين، محصهم لأنهم قابلوه بمجاهدة النفس على الرضى بالأمر القدري والالتزام بالأمر الشرعي، فصقل تصورهم وخلصه من الأفكار الخاطئة التي لا تتناسب مع حقيقة الإيمان، حتى لقد رأوا الحدث دليلا على اقتراب النصر، بل لقد سموه وعدا، في إشارة واضحة إلى صحة التصور وسلامة الرؤية، قال تعالى: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُه} [الأحزاب:22].
وكما صقلت "الأحزاب" التصور فإنها قد صقلت النفوس، فطهرته من الدغل، وخلصتها من الدخل، وأكسبتها من الصفات ما أوجد عندها حالة من الارتقاء الإيماني، قال تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22].
وقس على "الأحزاب" القديمة "الأحزاب" الجديدة، فإنها قد ساعدت الفئةَ المؤمنة – التي تفاعلت مع الأحداث – على الإدارك الجيد لما هي عوامل النصر وما هي أسباب الهزيمة، ومن هم الأولياء ومن هم الأعداء، ومن هم العلماء ومن هم العملاء، بل لقد عمقت عندها الوعي بالفرق الكبير بين "علماء العمل" الذين ينصرون الحق ولا يخذولنه، و"علماء الكلام" الذين لا يجتهدون إلاّ في ممارسة سلطة الكهنوت على الناس باسم العلم وتحت شعار السلف..
باختصار لقد أدركت الفئة المؤمنة التي تتفاعل مع الأحداث والابتلاءات الكثير من الحقائق ما كانت لتدركها وهي بعيدة عن هذا التفاعل المباشر والتجاوب الحي.. إنها النقلة البعيدة التي تصهر التصور ليزيد اقترابا من حقائق الإيمان.
كما أخرجت لنا "الاحزاب" الجديدة رجالا من الطراز الأول، أقل ما يقال فيهم أنهم يتمتعون ببنية نفسية عالية، تذكرك بعظماء التاريخ الإسلامي، وترجع بك إلى شخصيات الرعيل الأول!!
قوم لا يخشون الأعداء بل يطلبونهم في حصونهم، ولا يهابون الموت بل يسيرون إليه، ولا يزيدهم اجتماع الأعداء على حربهم إلاّ ثباتا.. وهكذا هو شأن الابتلاء مع المؤمنين يصقلهم على حسب شدة الضغط ومستوى المجاهدة.
ولهذا نستطيع أن نقول إن التمحيص بما يعنيه من الصقل للبنية الفكرية والبناء النفسي، وما يحدثه من الإرتقاء للتصور والشعور، هو المضمون العام للعملية التربوية، لأن التربية تعني التعهد الذي يحرص على صلاح الفرد ويرمي إلى الإرتقاء به في مقامات الإيمان، والتمحيص هو الصورة المثالية لهذا التعهد، ولذلك يحقق للمؤمن – الذي ينجح في الامتحان – النقلات النوعية على مستوى الوعي والسلوك، ويقطع به المسافات البعيدة في مسار التعبد.
ولعل هذه اللفتة ترشدنا إلى المفردات الأساسية للمنهج التربوي الصحيح..
أنه ذلك المنهج الذي يجمع بين العلم والعمل، المنهج الذي يعالج الحدث من خلال الوحي، أي أنه ينطلق من حالة "التفاعل" التي ينشؤها الحدث ليرسخ الحقائق التي يريد أن تستقر في التصور، ويعمق المعاني التي يهدف إلى غرسها في النفس، إنه يجعل من الحدث وسيلة لاستثارة المكنونات الفكرية والنفسية، ثم يسلط عليها بعد ذلك نور الوحي، لينظفها ويصقلها من خلال تفعييل دور المجاهدة، أما المنهج الذي يعتمد على عملية الشحن الثقافي والوعظ النظري التي تتم في الأجواء الخالية من التفاعل مع الأحداث فلا تنتج – في أحسن أحوالها – إلاّ حالة مؤقتة من التهذيب روحي، والتي رغم أهمتها في التربية لا تعبر بالضرورة عن حقيقة الإيمان، ولا تقدر على الوفاء بالمتطلبات العملية لحقيقة التعبد.
|
|
زائر زائر
| موضوع: رد: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا 4/16/2008, 9:30 am | |
| ولهذا لم يكن "التمحيص" أقل أهمية من "التمييز"، فالجماعة المسلمة محتاجة إليهما معاً، محتاجة إلى التمييز لتحصين بنائها الداخلي من العناصر المنافقة، كما أنها محتاجة إلى التمحيص لصقل العناصر المؤمنة كي ترتقي إلى مستوى المهمة المحددة والدور المطلوب، مما يجعلنا نستلهِم من هذه السنة الكثير من الأفكار التي يمكن أن تنفعنا في صياغة المنهج الحركي للجماعة المسلمة، نذكر منها ثلاثة على وجه الاختصار:
أولاً: تفعيل دور الممارسة :
من خلال الانشغال بالعمل المنسجم مع القناعات الفكرية، والخروج من حالة العيش في الأجواء النظرية بالتجاوب الإيجابي مع مهام المرحلة، بل والتفاعل الحي مع الأجواء التي يعيشها أصحاب المراحل المتقدمة، على أننا نسجل ضرورة التوافق التام بين مفردات العمل ومعطيات الظروف الذاتية والموضوعية، في محاولة إلى الاستغلال الكامل للمساحة التي تسمح بها خصوصيات الزمان والمكان. وإذا كانت بعض الأعمال سوف تجر على المؤمنين نوعا من المتاعب والآلام، فإنها في المقابل تمنحهم فرصة المعاناة التي تجلي الفكرة في عالم التصور وترسخ المعنى في أعماق النفس.
ثانياً: الحرص على الاستفادة من كل الأحداث التي تلاقي الجماعة أثناء مسيرتها الحركية : وأقصد الأحداث العرضية التي تتولد أثناء التفاعل مع حركة الحياة، مهما بدت "عادية" لأنه بإمكاننا أن نجعل منها وسيلة للصقل الفكري والنفسي إذا نظرنا إليها من خلال الوحي، وهو ما يستدعي استصحاب حالة من اليقظة الإيمانية لا تقدم على الحركة إلاّ بهدف التعبد، ولا تدع الأحداث تمر دون إعمال النظر في دلالاتها من منظور الإيمان.
ثالثاً: التربية على مجاهدة الهوى، وتعويد المؤمنين على عدم الاستسلام لحالات الضعف، أو الإنهيار عند لحظات الشدة :ويجب أن لا ننسى ونحن ندعو إلى الجهاد، أن أكبر معاني الفكر الجهادي الثورةُ على الباطل، وهذا ما يقتضي أن نكون معه في حالة حرب حتى لو كان كامنا في الذات.. لأن هذه النفسية هي التي تمكننا من جعل الابتلاء فرصة إلى الإرتقاء.. وتلك هي سنة التمحيص.
أحببت ان أنقله لكم للفائدة. |
|
زائر زائر
| موضوع: رد: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا 4/17/2008, 1:42 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بوركتم على هذا النقل الموفق |
|